سورة الفاتحة
أم الكتاب وفاتحة القرآن الكريم
نص السورة الكريمة
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴿١﴾
ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴿٢﴾
ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴿٣﴾
مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ ﴿٤﴾
إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ﴿٥﴾
ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ﴿٦﴾
صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ﴿٧﴾
أسماء سورة الفاتحة
اشتهرت سورة الفاتحة بعدة أسماء تدل على فضلها وعظيم منزلتها، فقد ذكر العلماء أن لها أكثر من عشرين اسماً. وكما قال السيوطي: "وقد وقفتُ لها على نيف وعشرين اسمًا، وذلك يدلّ على شرفها؛ فإنّ كثرة الأسماء دالة على شرف المسمى".
١- فاتحة الكتاب
سُميت بذلك لأنها تُفتتَح بها المصاحف وتُفتتَح بها القراءة في الصلاة.
٢- أم القرآن
لأنها أصل القرآن وبداية الكتاب، وتشتمل على معاني القرآن من التوحيد والثناء على الله وذكر العبادة.
٣- أم الكتاب
وهي تسمية مشابهة لأم القرآن، وتدل على أهميتها ومكانتها المركزية في القرآن الكريم.
٤- السبع المثاني
لأنها سبع آيات تُثنى وتتكرر في الصلاة، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾.
٥- الصلاة
كما في الحديث القدسي: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين" أي سورة الفاتحة التي تقرأ في الصلاة.
٦- الشفاء
لما ورد من أحاديث تدل على فضلها في الشفاء من الأمراض والأسقام.
٧- الرقية
لاستخدامها في رقية المريض، كما في قصة الصحابي الذي رقى رجلاً بسورة الفاتحة.
٨- القرآن العظيم
لشمولها على معاني القرآن جميعها بشكل موجز.
وهناك أسماء أخرى منها: الحمد، الوافية، الكافية، الأساس، الكنز، الشافية، وغيرها الكثير مما يدل على مكانتها العظيمة.
تفسير سورة الفاتحة
﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾
أبتدئ بكل اسم لله تعالى، فلفظ "اسم" مفرد مضاف فيعم جميع الأسماء الحسنى. "الله" هو المألوه المعبود، المستحق للعبادة لما اتصف به من صفات الألوهية. "الرحمن الرحيم" اسمان من أسماء الله تعالى، دالان على أنه سبحانه ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء.
﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾
الحمد: هو الثناء على الله بصفاته التي هي صفات كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية. "لله" اللام للاستحقاق، أي أن الحمد الكامل مستحق لله وحده. "رب العالمين" الرب: هو المربي جميع خلقه بنعمه، وخاصة المؤمنين بالهداية والتوفيق. والعالمين: جمع عالم، وهو كل ما سوى الله تعالى.
﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾
"الرحمن الرحيم" صفتان مشتقتان من الرحمة، فالرحمن: ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة. والرحيم: ذو الرحمة الواصلة إلى المرحوم. وقيل: "الرحمن" الذي تعم رحمته جميع الخلائق، و"الرحيم" الذي تختص رحمته بالمؤمنين.
﴿مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ﴾
"مالك" المتصرف بملك عظيم. "يوم الدين" أي يوم الجزاء والحساب، وهو يوم القيامة، سمي بذلك لأن الناس يُدانون فيه بأعمالهم. والآية تشير إلى الإيمان بالبعث والجزاء، وأن الله سبحانه هو المالك المتصرف في ذلك اليوم وحده.
﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾
"إياك نعبد" أي نخصك وحدك بالعبادة، فلا نعبد أحداً سواك. والعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. "وإياك نستعين" أي نطلب العون منك وحدك على عبادتك وعلى جميع أمورنا، فلا نستعين بغيرك. وقُدم المعمول "إياك" على الفعل لإفادة الحصر، أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك.
﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ﴾
"اهدنا" أي دلنا وأرشدنا ووفقنا وثبتنا. "الصراط المستقيم" هو الطريق الواضح الموصل إلى الله وإلى جنته، وهو الإسلام، ودين الحق الذي لا اعوجاج فيه. وهذا دعاء من العبد لربه أن يهديه ويثبته على هذا الصراط.
﴿صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ﴾
"صراط الذين أنعمت عليهم" أي طريق مَن مَنَّ الله عليهم بالهداية والاستقامة، وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون. "غير المغضوب عليهم" أي غير طريق من غضب الله عليهم بسبب معرفتهم للحق وتركهم له عن عمد، وقيل هم اليهود. "ولا الضالين" أي وغير طريق مَن ضل عن الحق جهلاً منه به، وقيل هم النصارى. وقال كثير من المفسرين: المغضوب عليهم من فسد قصده، والضالون من فسد علمه.
فضائل سورة الفاتحة
أعظم سورة في القرآن
عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه، قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، فقال: «ألم يقل الله: ﴿استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم﴾»، ثم قال: «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد»، فأخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت: يا رسول الله إنك قلت: «لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن»، قال: «﴿الحمد لله رب العالمين﴾، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» (رواه البخاري).
ركن من أركان الصلاة
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (متفق عليه). فهي ركن أساسي في الصلاة لا تصح الصلاة بدونها.
قسمة الصلاة بين الله وعبده
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿الرحمن الرحيم﴾، قال الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: ﴿مالك يوم الدين﴾، قال: مجدني عبدي، فإذا قال: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» (رواه مسلم).
شفاء من كل داء
ورد في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في سفر، فمروا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلُدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط، لعله يكون عند بعضهم شيء. فقالوا: إن سيدنا لُدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال أحدهم: نعم، والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جُعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾، فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبة.
جامعة لمعاني القرآن
اشتملت سورة الفاتحة على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية في قوله: ﴿رب العالمين﴾، وتوحيد الألوهية في قوله: ﴿إياك نعبد﴾، وتوحيد الأسماء والصفات في قوله: ﴿الرحمن الرحيم﴾. كما اشتملت على الإيمان بالبعث والجزاء في قوله: ﴿مالك يوم الدين﴾، وعلى أصول العبادة والاستعانة في قوله: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾، وعلى الدعاء والهداية في قوله: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾.
تكفي عن غيرها
قال صلى الله عليه وسلم: «أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ غَيْرُهَا مِنْهَا عِوَضٌ» (رواه الدارقطني). فهي تغني عن غيرها من السور، وغيرها لا يغني عنها.
سبب لإجابة الدعاء
ورد في السنة أن قراءة سورة الفاتحة قبل الدعاء سبب من أسباب إجابة الدعاء، وهي من آداب الدعاء التي ينبغي مراعاتها.